بسم الله الرحمن الرحيم
يقول بعض الناس : إننا نستعيذ بالله ، ومع ذلك فإننا نحس بالشيطان يوسوس لنا ، ويحرضنا على الشر ، ويشغلنا في صلاتنا .
والجواب
: أن الاستعاذة كالسيف في يد المقاتل ، فإن كانت يده قوية ، أصاب من عدوه
مقتلاً ، وإلا فإنه قد لا يؤثر فيه ، ولو كان السيف صقيلاً حديداً .
وكذلك الاستعاذة إذا كانت من تقيّ ورع كانت ناراً تحرق الشيطان ، وإذا كانت من مخلط ضعيف الإيمان فلا تؤثر في العدو تأثيراً قوياً .
قال
أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله : " واعلم أن مثل إبليس مع المتقي والمخلط
، كرجل جالس بين يديه طعام ولحم ، فمرّ به كلب ، فقال له : اخسأ ، فذهب .
فمرّ بآخر بين يديه طعام ولحم فكلّما أخسأه (طرده) لم يبرح .
فالأول
مثل المتقي يمر به الشيطان ، فيكفيه في طرده الذكر ، والثاني مثل المخلط
لا يفارقه الشيطان لمكان تخليطه ، نعوذ بالله من الشيطان " .
فعلى
المسلم الذي يريد النجاة من الشيطان وأحابيله أن يشتغل بتقوية إيمانه ،
والاحتماء بالله ربه ، والالتجاء إليه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
كيف تصنع بالشيطان إذ سوّل لك الخطايا ؟
حكي
عن أحد علماء السلف أنه قال لتلميذه : " ما تصنع بالشيطان إذا سوّل لك
الخطايا ؟ قال : أجاهده . قال : فإن عاد ؟ قال : أجاهده . قال : فإن عاد ؟
قال : أجاهده .
قال هذا يطول ، أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها
، أو منعك من العبور ما تصنع ؟ قال : أكابده جهدي وأرده . قال : هذا أمر
يطول ، ولكن استعن بصاحب الغنم يكفّه عنك " .
وهذا فقه
عظيم من هذا العالم الجليل ، فإن الاحتماء بالله ، والالتجاء إليه ، هو
السبيل القوي الذي يطرد الشيطان ويبعده ، وهذا ما فعلته أم مريم إذ قالت :
( وإني أعيذها بك وذريتها من الشَّيطان الرَّجيم ) [ آل عمران : 36 ]
الالتجاء إلى الله والاحتماء به
خير
سبيل للاحتماء من الشيطان وجنده هو الالتجاء إلى الله والاحتماء بجنابه ،
والاستعاذة به من الشيطان ، فإنه عليه قادر . فإذا أجار عبده فأنى يخلص
الشيطان إليه ، قال تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين –
وإمَّا ينزغنَّك من الشَّيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنَّه سميع عليم ) [
الأعراف : 199-200 ] .
وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه
وسلم بالاستعاذة بالله من همزات الشياطين وحضورهم : ( وقل رب أعوذ بك من
همزات الشَّياطين – وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [المؤمنون : 97-98] .
وهمزات
الشياطين : نزغاتهم ووساوسهم ، فالله يأمرنا بالاستعاذة به من العدو
الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحساناً ، ولا يبتغي غير هلاك
ابن آدم ، لشدة العداوة بينه وبين آدم .
بعض مواضع الاستعاذة
1- الاستعاذة عند دخول الخلاء :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء ، قال : ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) .
2- الاستعاذة عند الغضب :
عن
سليمان بن صُرَد قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده
جلوس ، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً ، قد احمرّ وجهه ، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم ) . رواه البخاري ومسلم .
3- الاستعاذة عند نزول وادٍ أو منزل :
وإذا
نزل المرء وادياً أو منزلاً ، فعليه أن يستعيذ بالله ، لا كما كان يفعل
أهل الجاهلية يستعيذون بالجن والشياطين ، فيقول قائلهم : أعوذ بزعيم هذا
الوادي من سفهاء قومه ، فكانت العاقبة أن استكبرت الجن وآذتهم ، كما حكى
الله عنهم ذلك في سورة الجن : ( وأنَّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ
من الجن فزادوهم رهقاً )
[الجن : 6] ؛ أي الجن زادت الإنس رهقاً .
4- التعوذ بالله من الشيطان عند سماع نهيق الحمار :
يقول
الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا نهق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان
الرجيم ) . رواه الطبراني في معجمه الكبير بإسناد صحيح ، وقد أخبرنا
الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحمار إذا نهق فإنه يكون قد رأى شيطاناً
6- التعوذ حين قراءَة القرآن :
قال
تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم – إنَّه
ليس له سلطان على الَّذين آمنوا وعلى ربهم يتوكَّلون ) [ النحل : 98-99 ] .
وفي
رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لابن عابس الجهني : ( إن أفضل ما
تعوذ به المتعوذون المعوذتان ) . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض
روايات حديث عقبة : ( ما سأل سائل بمثلهما ، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما ) .
حفظنا الله واياكم
وزادنا ايمانا وطاعة ورزقنا واياكم الاخلاص والثبات